المصاهرة بين الآل والأصحاب وأثرها في المودة بين المسلمين
صفحة 1 من اصل 1
المصاهرة بين الآل والأصحاب وأثرها في المودة بين المسلمين
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المصاهرة بين الآل والأصحاب وأثرها في المودة بين المسلمين
شبكة البصرة
بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان
بحث أعد لمؤتمر (فضائل أهل البيت وإسهاماتهم في الأخوة بين المسلمين)
المنعقد بإشراف جامعة آيدين - استانبول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه: ]وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[.(التوبة/100).
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، القائل: ((أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)). [1]
وعلى آل بيته الأطهار، وأصحابه الأبرار أجمعين.
تمهيد:
من رحمة الله تعالى أن خلق من الطين بشراً، وجعل بين خلقه نسباً وصهراّ، ليتعارف الخلق فيما بينهم، إذ هم من أصل واحد ونسب واحد، وهو سيدنا آدم عليه السلام. وقد جاء الإسلام ليدعو إلى الأخوة والمحبة فيما بين المسلمين، سواء عن طريق المؤاخاة أو عن طريق المصاهرة والنسب.
وهذا ما درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا يصاهرون آل البيت الأطهار، من بني هاشم، كآل عقيل وآل علي وآل جعفر وآل العباس، فيتزوجون منهم ويزوجونهم وهذا يدّل على تمام المحبة والتقدير فيما بين الصحب والآل، وهو ما عبَّر عنه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله: "ارقبوا محمداً في أهل بيته".[2]
وقوله: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحبُّ إليَّ من أن أَصِلَ من قرابتي".[3]
وكذلك فِعْلُ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الحسن والحسين رضي الله عنهما في العطاء؛ إذ كان يفرض لهما مثل عطاء أهل بدرٍ إكراماً لهما. [4]
ولاشك أن هذا التلاحم هو الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج من ابنتي وزيريه، فتصبح الصّدّيقة بنت الصديق وحفصة الصوّامة القوامة من أمهات المؤمنين، ثم يُزَوِّجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما لعثمان بن عفان رضي الله عنه.
على هذا الحب والانسجام، وبهذه المودة والمحبة تربَّى جِيلٌ بعد جيل، فكان التابعون أشّدَّ حباً للآل والصحب من أنفسهم، وينزلونهم مكانتهم السامية، عملاً بقول الله تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[. (الحشر/10).
وقد تعددت المصاهرة بين الصحب والآل تعبيراً عن هذه اللحمة والرابطة الوثيقة بينهم، حتى أن المتتبع والباحث ليرى أنه ما من صحابي إلا وحرص على مصاهرة آل بيت النبوة، ولكان أكثر أبناء بيت النبوة حريصاً أن يصاهر الصحب الكرام، لما كان بينهم من علاقة الأخوة والمودة والمحبة، التي دفعت حَبْر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليمسك زمام َناقة زيد بن ثابت رضي الله عنه. [5]
ويمكن للباحث الرجوع إلى أهم المراجع التي تؤكد هذه الحقائق، ومن أبرزها:
ـ "عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" لابن عنبة (ت 828هـ)
ـ "منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل" للشيخ عباس القمّي (ت 1359 هـ).
ـ أنساب الأشراف للبلاذري (ت 279 هـ).
فضائل آل البيت في القرآن الكريم:
وردت في القرآن الكريم آيات صريحة في بيان فضائل أهل البيت، منها قوله تعالى: ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[(الأحزاب/33). ويرى جمهور العلماء أنها منبع فضائل أهل البيت لاشتمالها على غرر مآثرهم واعتناء الباري عز وجل بهم، حيث أنزلها في حقهم. يقول العارف بالله الشيخ محيي الدين بن عربي في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات: "ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً محضاً قد طهره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس فلا يضاف إليهم إلا مطهر، فأهل البيت الشريف هم المطهرون بل هم عين الطهارة، وهكذا يدخل أبناء فاطمة، رضي الله عنها، كلهم إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية، فهم المطهرون اختصاصاً من الله وعناية بهم، لشرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعناية الله به.
وقوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى/23).
وقوله أيضاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب/56).
فضائل آل البيت في السنة النبوية:
جاء في السنة النبوية أحاديث صحيحة في بيان فضائل أهل البيت، ومن أبرزها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا :"اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". [6]
وفي رواية أخرى للبخاري عند تفسير هذه الآية عن كعب بن عجرة قال، قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: (قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
صحيح البخاري (5996).
فضائل الصحابة في القرآن الكريم و السنة النبوية :
مما ورد في فضائل الصحابة قوله تعالى: ]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[ (الفتح/18).
وفي السنة المطهرة أحاديث كثيرة تبين فضائل الصحب الكرام، منها حديث عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبَّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني قد أذى الله، ومن أذى الله يوشك أن يأخذه)[7].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبُّوا أصحابي، لا تسبُّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه).[8]
(والمُدُّ هو الحفنة في اليدين).
اعتقاد المسلمين في الصحابة:
مما سبق من الأدلة القرآنية والنبوية يظهر أن معتقد المسلمين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، فهم يثبتون خلافة أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة إياه، بعد اختيار رسول الله له. ثم خلافة عمر باستخلاف أبي بكر إياه، ثم خلافة عثمان باجتماع أهل الشورى عليه، ثم خلافة علي بن أبي طالب عن بيعة من بايع من البدريين كعمار بن ياسر وسهل بن حنيف ومن تبعهم من سائر الصحابة رضي الله عنهم.
واختار السلف من بعدهم ترك الخوض في الفتنة الأولى، وقالوا: "تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلا نُلوِّث بها ألسنتنا".[9]
ثناء أهل البيت على الأصحاب:
كان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب السبق في معرفة قَدْر الصحب الكرام ومكانتهم عند الله تعالى وعند رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك ما نقل عن سيدنا علي رضي الله عنه قوله: "لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنَّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذُكر الله هَمَلَتْ أعينهم حتى تبلَّ جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب". [10]
وقوله في مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد موته: "لقد قوّم الأَوَد (الاعوجاج)، وداوى العَمَد (العلَّة)، وأقام السنَّة، وخلَّفَ الفتنة (تركها خلفه)، ذهب نقيَّ الثوب وقليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرَّها، أدَّى إلى الله طاعتَه واتقاه بحِّقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة، يهتدي بها الضال، ولا يستيقن المهتدي". [11]
ويقول عبد الله بن عباس مادحاً عثمان بن عفان رضي الله عنه: "رحم الله أبا عمرو، كان –والله- أكرم الحَفَدة، (الأصهار والأعوان) وأفضل البررة، هجَّاداً بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهَّاضاً عند كل مكرمة، سبّاقاً إلى كل منحة، حبيباً أبيّاً، وفـيَّاً، صاحب جيش العسرة، خَتَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ". [12]
ثناء الأصحاب على الآل:
في مسند أبي يعلى عن عقبة بن الحارث: "صلّى أبو بكر رضي الله العصر، ثم خرج يمشي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليالٍ، فرأى الحسن رضي الله عنه يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال:
بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعليّ
وعلي ٌّرضي الله عنه يضحك. [13]
وقد ظهرت آثار ترابط العلاقة بين أهل البيت والأصحاب عموماً وبين الآل وعمر بن الخطاب خصوصاً، من خلال زواج عمر من أم كلثوم بنت علي، وتسمية أهل البيت كثيراً من أولادهم باسم عمر، ومما ورد عنه رضي الله عنه أنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنَّا نتوسَّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبينا فاسقنا "قال: فيُسْقَوْن". [14]
وجاء في طبقات ابن سعد أن عمر رضي الله عنه قال للعباس بن عبد المطلب: "والله لإسلامُكَ يومً أسلمتَ أحبُّ إلي َّمن إسلام الخطاب لو أسلم، لأنَّ إسلامك أحبُّ إلى رسول الله من إسلام الخطاب". [15]
أثر المصاهرة بين الصحب و الآل في المودة والمحبة:
ثبت بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة التي أوردتها في هذا البحث أن الآل والأصحاب كانوا كما وصفهم القرآن الكريم: ﴿رحماء بينهم﴾ فهم خير القرون حول خير المرسلين، أدَّبهم وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا معلّمين للبشرية بسلوكهم وأخلاقهم وأحوالهم.
ويأتي في مقدمة المصاهرات زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بنت الصديق رضي الله عنها، وهي ثالث زوجاته، والبكر الوحيدة بينهم، وأصغرهن سناً، وأكثرهن رواية للحديث، وكان الصحابة يرجعون إليها في الإفتاء.
فالسيدة عائشة (أم المؤمنين) رضي الله عنها (ت 57 هـ) بقيت زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم (9) تسع سنوات حتى وفاته، وتوفي في حجرها وفي يومها، ودفن في حجرتها، وفي ذلك إشارة إلى مدى قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه عنها.
وبهذا يكون الصديق صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم، ويستمر في صحبة رسول الله حتى بعد وفاته؛ إذ دفن إلى جواره.
أما عمر الفاروق رضي الله عنه فتزوج رسول الله ابنته حفصة رضي الله عنها الصوامة القوَّامة سنة ثلاث للهجرة، وبقيت زوجة له إلى أن توفـَّاه الله تعالى، وكانت حفصة أمينةً على المصحف الشريف الذي جمعه أبو بكر والصحابة وتركوه عندها.
وكما أبو بكر كان عمر أيضاً صاحب رسول الله في حياته وبعد مماته؛ إذ دفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر بها هجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة المنورة وتوفيت أثناء غزوة بدر سنة 2هـ، فتزوج أختها أم كلثوم رضي الله عنها وتوفيت عنده سنة 9 هـ ولم تنجب.
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتزوج سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وأم الريحانتين الحسن والحسين، وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأفضلهنّ وأكثرهن به شبهاً، كما تقول عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت أشبه سمتاً ولا دلاً ولا هدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم".[16]
(دلاً: حسن الهيئة).
وكل بنات رسول الله توفين قبله إلا فاطمة فتوفيت بعده بستة أشهر سنة 11 هـ.
وفي زواج علي من فاطمة -رضي الله عنهما- ملامح ذات دلالة هامَّة على المودة والأخوة فيما بين الآل والصحب، ومن أهم هذه الدلائل:
1ـ أن الذي حثَّ علياً على خطبة فاطمة، هم: أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ رضي الله عنهم وذلك بعد غزوة بدر سنة 2 هـ.
2 ـ أن الذي دفع المهر لعلي هو عثمان رضي الله عنه، وذلك لماَّ اشترى منه الدرع الحطمية بأربعمائة درهم، فلمَّا استلم عليٌّ الدراهم، قال عثمان: "هذه الدرع هدية مني إليك".
3 ـ ومن فرحة الأنصار بهذا الزواج ذبح سعد بن معاذ شاةً وليمةً للعرس، وشارك بعض الأنصار بالذّرة -رضي الله عنهم جميعاً-.
4 ـ ومن فرحة الأنصار أيضاً أهدى حارثة بن النعمان الأنصاري داره التي بجوار دور رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ وفاطمة رضي الله عنهما.
5 ـ وقام أبو بكر رضي الله عنه بشراء جهاز عليّ وفاطمة رضي الله عنهما.
وما فعلوا ذلك إلا بدافع الحب والود والوفاء للنبي صلى الله عليه وسلم.
نموذجان من المصاهرة وآثارها الاجتماعية:
وقعت ست مصاهرات بين آل أبي بكر الصديق وآل البيت الأطهار، وذلك من خلال تزوج أبناء أبي بكر وبناته من آل البيت الأطهار، وهي:
1 ـ زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصديقة عائشة رضي الله عنها.
2 ـ زواج الحسن (أو الحسين) بحفيدة أبي بكر حفصة بنت عبد الرحمن.[17]
3 ـ زواج موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى (من أحفاد الحسن بن علي) من أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر. [18]
4 ـ زواج الباقر (ت 80 هـ) من أم فروة بنت القاسم بن محمد وأنجبا (جعفراً الصادق).[19]
5 ـ زواج إسحق بن عبد الله بن علي بن الحسين من كلثم بنت إسماعيل بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر. [20]
6 ـ زواج إسحق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر أخت أم فروة (أم جعفر الصادق) فتكون أم حكيم خالة جعفر الصادق. [21]
وجلُّ هذه المصاهرات وقعت بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن الهدف منها الحصول على منصب سياسي أو مكسب اقتصادي مادي.
وإن استمرار هذه المصاهرات بعد حوادث تاريخية مهمة كالسقيفة سنة 11 هـ، والجمل سنة 36 هـ، وصفين سنة 37هـ، وكربلاءسنة 61 هـ دليل واضح على تجاوز الأمة عامة وآل البيت خاصة لتلك الخلافات، رغم محاولة بعض المستشرقين العمل على تضخيمها وتوسعة دائرتها.وليس أدلَّ على ذلك من القول المشهور: "ولدني أبو بكر مرتين"[22]
لجعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم أجمعين– مفتخراً بجده الصديق الذي يصل إليه من أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد -فقيه أهل المدينة– (وهذه الولادة الأولى) وأما أمها فهي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (وهذه الولادة الثانية).[23]
هذا الزواج الذي تم بين محمد الباقر وبين أم فروة تمَّ بعد وفاة أبي بكر بسبعين سنةً تقريباً لم يكن لمطمع سياسي أبداً بقدر ما كان دليلاً على المودة والمحبة.
ولم يكن عمر رضي الله عنه أقل شأناً من أبي بكر رضي الله عنه في حرصه على مصاهرة آل البيت، فقد فاز بمصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ زوجه ابنته حفصة رضي الله عنها، وتزوج هو من ابنة علي وفاطمة رضي الله عنها (أم كلثوم). وذلك لسماعه رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ((كلُّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي و نسبي)). قال عمر: فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله سبب ونسب. [24]
وأنجبت له أم كلثوم زيداً، وكان زيد بن عمر يفتخر بأبويه عمر وعلي رضي الله عنهما، ويقول: "أنا ابن الخليفتين".[25]
خاتمة :
بعد هذا الاستعراض الموجز للنصوص التي تثبت فضائل الصحابة وآل البيت في القرآن والسنة، والثناء المتبادل فيما بينهما، والمصاهرة التي زادت الصلة والمحبة، يظهر لنا مدى العلاقة المتينة بين الصحابة وآل البيت، وما كانوا يضمرون في قلوبهم من الود والحب للدين وأهله، ابتغاء وجه الله تعالى، ورعاية لحقوق سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، وحرصاً على نشر الأخوة فيما بين المسلمين، وتمتين روابط العلاقات الإنسانية والاجتماعية فيما بين المجتمعات، دون النظر إلى الفوارق العرقية واللغوية والقومية.
إن هذه الصلة الحميمية والعلاقة الراسخة هي رسالة حب للمسلمين خاصة، وللإنسانية عامة، كي يحرصوا على بناء أفضل العلاقات الإنسانية القائمة على الود والاحترام وصفاء القلوب، مع الحرص على نبذ الخلافات والصراعات جانباً، والسعي إلى لـمِّ الشمل وجمع الكلمة على ما يرضي الله تعالى ورسوله.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أهم المراجع و المصادر:
أنساب الأشراف للبلاذري.
الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة للسيد أحمد بن إبراهيم ط 2 – الكويت.
الآل والصحابة محبة وقرابة –لعلي بن حمد التميمي. طبعة مبرة الآل والأصحاب– الكويت ط 3. 2010م.
تاريخ دمشق لابن عساكر.
الثناء المتبادل بين الآل والصحب –طبعة وزارة الأوقاف الكويتية 2008 إعداد مكتب الشؤون الفنية.
سير أعلام النبلاء للذهبي.
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة.
منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل "للشيخ عباس القمّي.
الطبقات الكبرى لابن سعد.
________________
[1] رواه مسلم (2408) باب فضائل علي بن أبي طالب.
[2] صحيح البخاري (3712) فضائل أهل البيت ـ باب مناقب قرابة رسول الله.
[3] البخاري (4241) ومسلم (6795)
[4] سير أعلام النبلاء 3/266 – 285
[5] طبقات ابن سعد 2/360
[6] البخاري (3660) كتاب الدعوات ـ باب هل يصلّى على غير النبي صلى الله عليه وسلم.
[7] ـ سنن الترمذي (3862) وهو حديث حسن غريب انفرد به راوٍ واحد.
[8] صحيح مسلم (2540) متاب فضائل الصحابة.
[9] عون المعبود 12/274
[10] نهج البلاغة/143
[11] نهج البلاغة/222
[12] مروج الذهب ومعادن الجواهر 3/64
[13] مسند أبي ميلى (38) طبعة دار المأمون للتراث ـ ت حسين أسد 1984
[14] صحيح البخاري (1010) باب ذكر العباس بن عبد المطلب.
[15] الطبقات الكبرى 4/23
[16] سنن أبي داود (5217) والترمذي (3039)
[17] أنساب الأشراف للبلاذري 1/381
[18] أنساب الأشراف للبلاذري 1/407
[19] أنساب الطالبين 1/36
[20] نسب قريش 1/24
[21] الشجرة المباركة للفخر الرازي
[22] عمدة الطالب في نسب آل أبي طالب لابن عنبة
[23] كشف الغمة للأربلي 2/347 طبعة دار الأضواء - بيروت
[24] تاريخ دمشق لابن عساكر/ترجمة زيد بن عمر.
[25] المعارف لابن قتيبة 232
رسالتي 25/10/2011
شبكة البصرة
الاحد 7 صفر 1433 / 1 كانون الثاني 2012
المصاهرة بين الآل والأصحاب وأثرها في المودة بين المسلمين
شبكة البصرة
بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان
بحث أعد لمؤتمر (فضائل أهل البيت وإسهاماتهم في الأخوة بين المسلمين)
المنعقد بإشراف جامعة آيدين - استانبول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه: ]وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[.(التوبة/100).
والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، القائل: ((أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)). [1]
وعلى آل بيته الأطهار، وأصحابه الأبرار أجمعين.
تمهيد:
من رحمة الله تعالى أن خلق من الطين بشراً، وجعل بين خلقه نسباً وصهراّ، ليتعارف الخلق فيما بينهم، إذ هم من أصل واحد ونسب واحد، وهو سيدنا آدم عليه السلام. وقد جاء الإسلام ليدعو إلى الأخوة والمحبة فيما بين المسلمين، سواء عن طريق المؤاخاة أو عن طريق المصاهرة والنسب.
وهذا ما درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا يصاهرون آل البيت الأطهار، من بني هاشم، كآل عقيل وآل علي وآل جعفر وآل العباس، فيتزوجون منهم ويزوجونهم وهذا يدّل على تمام المحبة والتقدير فيما بين الصحب والآل، وهو ما عبَّر عنه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله: "ارقبوا محمداً في أهل بيته".[2]
وقوله: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحبُّ إليَّ من أن أَصِلَ من قرابتي".[3]
وكذلك فِعْلُ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الحسن والحسين رضي الله عنهما في العطاء؛ إذ كان يفرض لهما مثل عطاء أهل بدرٍ إكراماً لهما. [4]
ولاشك أن هذا التلاحم هو الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج من ابنتي وزيريه، فتصبح الصّدّيقة بنت الصديق وحفصة الصوّامة القوامة من أمهات المؤمنين، ثم يُزَوِّجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما لعثمان بن عفان رضي الله عنه.
على هذا الحب والانسجام، وبهذه المودة والمحبة تربَّى جِيلٌ بعد جيل، فكان التابعون أشّدَّ حباً للآل والصحب من أنفسهم، وينزلونهم مكانتهم السامية، عملاً بقول الله تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[. (الحشر/10).
وقد تعددت المصاهرة بين الصحب والآل تعبيراً عن هذه اللحمة والرابطة الوثيقة بينهم، حتى أن المتتبع والباحث ليرى أنه ما من صحابي إلا وحرص على مصاهرة آل بيت النبوة، ولكان أكثر أبناء بيت النبوة حريصاً أن يصاهر الصحب الكرام، لما كان بينهم من علاقة الأخوة والمودة والمحبة، التي دفعت حَبْر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليمسك زمام َناقة زيد بن ثابت رضي الله عنه. [5]
ويمكن للباحث الرجوع إلى أهم المراجع التي تؤكد هذه الحقائق، ومن أبرزها:
ـ "عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب" لابن عنبة (ت 828هـ)
ـ "منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل" للشيخ عباس القمّي (ت 1359 هـ).
ـ أنساب الأشراف للبلاذري (ت 279 هـ).
فضائل آل البيت في القرآن الكريم:
وردت في القرآن الكريم آيات صريحة في بيان فضائل أهل البيت، منها قوله تعالى: ]إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[(الأحزاب/33). ويرى جمهور العلماء أنها منبع فضائل أهل البيت لاشتمالها على غرر مآثرهم واعتناء الباري عز وجل بهم، حيث أنزلها في حقهم. يقول العارف بالله الشيخ محيي الدين بن عربي في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات: "ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً محضاً قد طهره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس فلا يضاف إليهم إلا مطهر، فأهل البيت الشريف هم المطهرون بل هم عين الطهارة، وهكذا يدخل أبناء فاطمة، رضي الله عنها، كلهم إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية، فهم المطهرون اختصاصاً من الله وعناية بهم، لشرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعناية الله به.
وقوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى/23).
وقوله أيضاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ (الأحزاب/56).
فضائل آل البيت في السنة النبوية:
جاء في السنة النبوية أحاديث صحيحة في بيان فضائل أهل البيت، ومن أبرزها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا :"اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". [6]
وفي رواية أخرى للبخاري عند تفسير هذه الآية عن كعب بن عجرة قال، قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: (قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
صحيح البخاري (5996).
فضائل الصحابة في القرآن الكريم و السنة النبوية :
مما ورد في فضائل الصحابة قوله تعالى: ]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[ (الفتح/18).
وفي السنة المطهرة أحاديث كثيرة تبين فضائل الصحب الكرام، منها حديث عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبَّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني قد أذى الله، ومن أذى الله يوشك أن يأخذه)[7].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبُّوا أصحابي، لا تسبُّوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه).[8]
(والمُدُّ هو الحفنة في اليدين).
اعتقاد المسلمين في الصحابة:
مما سبق من الأدلة القرآنية والنبوية يظهر أن معتقد المسلمين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، فهم يثبتون خلافة أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة إياه، بعد اختيار رسول الله له. ثم خلافة عمر باستخلاف أبي بكر إياه، ثم خلافة عثمان باجتماع أهل الشورى عليه، ثم خلافة علي بن أبي طالب عن بيعة من بايع من البدريين كعمار بن ياسر وسهل بن حنيف ومن تبعهم من سائر الصحابة رضي الله عنهم.
واختار السلف من بعدهم ترك الخوض في الفتنة الأولى، وقالوا: "تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلا نُلوِّث بها ألسنتنا".[9]
ثناء أهل البيت على الأصحاب:
كان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب السبق في معرفة قَدْر الصحب الكرام ومكانتهم عند الله تعالى وعند رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك ما نقل عن سيدنا علي رضي الله عنه قوله: "لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى أحداً يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنَّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذُكر الله هَمَلَتْ أعينهم حتى تبلَّ جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب". [10]
وقوله في مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد موته: "لقد قوّم الأَوَد (الاعوجاج)، وداوى العَمَد (العلَّة)، وأقام السنَّة، وخلَّفَ الفتنة (تركها خلفه)، ذهب نقيَّ الثوب وقليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرَّها، أدَّى إلى الله طاعتَه واتقاه بحِّقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة، يهتدي بها الضال، ولا يستيقن المهتدي". [11]
ويقول عبد الله بن عباس مادحاً عثمان بن عفان رضي الله عنه: "رحم الله أبا عمرو، كان –والله- أكرم الحَفَدة، (الأصهار والأعوان) وأفضل البررة، هجَّاداً بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهَّاضاً عند كل مكرمة، سبّاقاً إلى كل منحة، حبيباً أبيّاً، وفـيَّاً، صاحب جيش العسرة، خَتَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ". [12]
ثناء الأصحاب على الآل:
في مسند أبي يعلى عن عقبة بن الحارث: "صلّى أبو بكر رضي الله العصر، ثم خرج يمشي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليالٍ، فرأى الحسن رضي الله عنه يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال:
بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعليّ
وعلي ٌّرضي الله عنه يضحك. [13]
وقد ظهرت آثار ترابط العلاقة بين أهل البيت والأصحاب عموماً وبين الآل وعمر بن الخطاب خصوصاً، من خلال زواج عمر من أم كلثوم بنت علي، وتسمية أهل البيت كثيراً من أولادهم باسم عمر، ومما ورد عنه رضي الله عنه أنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنَّا نتوسَّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبينا فاسقنا "قال: فيُسْقَوْن". [14]
وجاء في طبقات ابن سعد أن عمر رضي الله عنه قال للعباس بن عبد المطلب: "والله لإسلامُكَ يومً أسلمتَ أحبُّ إلي َّمن إسلام الخطاب لو أسلم، لأنَّ إسلامك أحبُّ إلى رسول الله من إسلام الخطاب". [15]
أثر المصاهرة بين الصحب و الآل في المودة والمحبة:
ثبت بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة التي أوردتها في هذا البحث أن الآل والأصحاب كانوا كما وصفهم القرآن الكريم: ﴿رحماء بينهم﴾ فهم خير القرون حول خير المرسلين، أدَّبهم وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا معلّمين للبشرية بسلوكهم وأخلاقهم وأحوالهم.
ويأتي في مقدمة المصاهرات زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بنت الصديق رضي الله عنها، وهي ثالث زوجاته، والبكر الوحيدة بينهم، وأصغرهن سناً، وأكثرهن رواية للحديث، وكان الصحابة يرجعون إليها في الإفتاء.
فالسيدة عائشة (أم المؤمنين) رضي الله عنها (ت 57 هـ) بقيت زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم (9) تسع سنوات حتى وفاته، وتوفي في حجرها وفي يومها، ودفن في حجرتها، وفي ذلك إشارة إلى مدى قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه عنها.
وبهذا يكون الصديق صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم، ويستمر في صحبة رسول الله حتى بعد وفاته؛ إذ دفن إلى جواره.
أما عمر الفاروق رضي الله عنه فتزوج رسول الله ابنته حفصة رضي الله عنها الصوامة القوَّامة سنة ثلاث للهجرة، وبقيت زوجة له إلى أن توفـَّاه الله تعالى، وكانت حفصة أمينةً على المصحف الشريف الذي جمعه أبو بكر والصحابة وتركوه عندها.
وكما أبو بكر كان عمر أيضاً صاحب رسول الله في حياته وبعد مماته؛ إذ دفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر بها هجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة المنورة وتوفيت أثناء غزوة بدر سنة 2هـ، فتزوج أختها أم كلثوم رضي الله عنها وتوفيت عنده سنة 9 هـ ولم تنجب.
وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتزوج سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وأم الريحانتين الحسن والحسين، وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأفضلهنّ وأكثرهن به شبهاً، كما تقول عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت أشبه سمتاً ولا دلاً ولا هدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم".[16]
(دلاً: حسن الهيئة).
وكل بنات رسول الله توفين قبله إلا فاطمة فتوفيت بعده بستة أشهر سنة 11 هـ.
وفي زواج علي من فاطمة -رضي الله عنهما- ملامح ذات دلالة هامَّة على المودة والأخوة فيما بين الآل والصحب، ومن أهم هذه الدلائل:
1ـ أن الذي حثَّ علياً على خطبة فاطمة، هم: أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ رضي الله عنهم وذلك بعد غزوة بدر سنة 2 هـ.
2 ـ أن الذي دفع المهر لعلي هو عثمان رضي الله عنه، وذلك لماَّ اشترى منه الدرع الحطمية بأربعمائة درهم، فلمَّا استلم عليٌّ الدراهم، قال عثمان: "هذه الدرع هدية مني إليك".
3 ـ ومن فرحة الأنصار بهذا الزواج ذبح سعد بن معاذ شاةً وليمةً للعرس، وشارك بعض الأنصار بالذّرة -رضي الله عنهم جميعاً-.
4 ـ ومن فرحة الأنصار أيضاً أهدى حارثة بن النعمان الأنصاري داره التي بجوار دور رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ وفاطمة رضي الله عنهما.
5 ـ وقام أبو بكر رضي الله عنه بشراء جهاز عليّ وفاطمة رضي الله عنهما.
وما فعلوا ذلك إلا بدافع الحب والود والوفاء للنبي صلى الله عليه وسلم.
نموذجان من المصاهرة وآثارها الاجتماعية:
وقعت ست مصاهرات بين آل أبي بكر الصديق وآل البيت الأطهار، وذلك من خلال تزوج أبناء أبي بكر وبناته من آل البيت الأطهار، وهي:
1 ـ زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصديقة عائشة رضي الله عنها.
2 ـ زواج الحسن (أو الحسين) بحفيدة أبي بكر حفصة بنت عبد الرحمن.[17]
3 ـ زواج موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى (من أحفاد الحسن بن علي) من أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر. [18]
4 ـ زواج الباقر (ت 80 هـ) من أم فروة بنت القاسم بن محمد وأنجبا (جعفراً الصادق).[19]
5 ـ زواج إسحق بن عبد الله بن علي بن الحسين من كلثم بنت إسماعيل بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر. [20]
6 ـ زواج إسحق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر أخت أم فروة (أم جعفر الصادق) فتكون أم حكيم خالة جعفر الصادق. [21]
وجلُّ هذه المصاهرات وقعت بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن الهدف منها الحصول على منصب سياسي أو مكسب اقتصادي مادي.
وإن استمرار هذه المصاهرات بعد حوادث تاريخية مهمة كالسقيفة سنة 11 هـ، والجمل سنة 36 هـ، وصفين سنة 37هـ، وكربلاءسنة 61 هـ دليل واضح على تجاوز الأمة عامة وآل البيت خاصة لتلك الخلافات، رغم محاولة بعض المستشرقين العمل على تضخيمها وتوسعة دائرتها.وليس أدلَّ على ذلك من القول المشهور: "ولدني أبو بكر مرتين"[22]
لجعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهم أجمعين– مفتخراً بجده الصديق الذي يصل إليه من أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد -فقيه أهل المدينة– (وهذه الولادة الأولى) وأما أمها فهي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (وهذه الولادة الثانية).[23]
هذا الزواج الذي تم بين محمد الباقر وبين أم فروة تمَّ بعد وفاة أبي بكر بسبعين سنةً تقريباً لم يكن لمطمع سياسي أبداً بقدر ما كان دليلاً على المودة والمحبة.
ولم يكن عمر رضي الله عنه أقل شأناً من أبي بكر رضي الله عنه في حرصه على مصاهرة آل البيت، فقد فاز بمصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ زوجه ابنته حفصة رضي الله عنها، وتزوج هو من ابنة علي وفاطمة رضي الله عنها (أم كلثوم). وذلك لسماعه رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ((كلُّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي و نسبي)). قال عمر: فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله سبب ونسب. [24]
وأنجبت له أم كلثوم زيداً، وكان زيد بن عمر يفتخر بأبويه عمر وعلي رضي الله عنهما، ويقول: "أنا ابن الخليفتين".[25]
خاتمة :
بعد هذا الاستعراض الموجز للنصوص التي تثبت فضائل الصحابة وآل البيت في القرآن والسنة، والثناء المتبادل فيما بينهما، والمصاهرة التي زادت الصلة والمحبة، يظهر لنا مدى العلاقة المتينة بين الصحابة وآل البيت، وما كانوا يضمرون في قلوبهم من الود والحب للدين وأهله، ابتغاء وجه الله تعالى، ورعاية لحقوق سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، وحرصاً على نشر الأخوة فيما بين المسلمين، وتمتين روابط العلاقات الإنسانية والاجتماعية فيما بين المجتمعات، دون النظر إلى الفوارق العرقية واللغوية والقومية.
إن هذه الصلة الحميمية والعلاقة الراسخة هي رسالة حب للمسلمين خاصة، وللإنسانية عامة، كي يحرصوا على بناء أفضل العلاقات الإنسانية القائمة على الود والاحترام وصفاء القلوب، مع الحرص على نبذ الخلافات والصراعات جانباً، والسعي إلى لـمِّ الشمل وجمع الكلمة على ما يرضي الله تعالى ورسوله.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أهم المراجع و المصادر:
أنساب الأشراف للبلاذري.
الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة للسيد أحمد بن إبراهيم ط 2 – الكويت.
الآل والصحابة محبة وقرابة –لعلي بن حمد التميمي. طبعة مبرة الآل والأصحاب– الكويت ط 3. 2010م.
تاريخ دمشق لابن عساكر.
الثناء المتبادل بين الآل والصحب –طبعة وزارة الأوقاف الكويتية 2008 إعداد مكتب الشؤون الفنية.
سير أعلام النبلاء للذهبي.
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة.
منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل "للشيخ عباس القمّي.
الطبقات الكبرى لابن سعد.
________________
[1] رواه مسلم (2408) باب فضائل علي بن أبي طالب.
[2] صحيح البخاري (3712) فضائل أهل البيت ـ باب مناقب قرابة رسول الله.
[3] البخاري (4241) ومسلم (6795)
[4] سير أعلام النبلاء 3/266 – 285
[5] طبقات ابن سعد 2/360
[6] البخاري (3660) كتاب الدعوات ـ باب هل يصلّى على غير النبي صلى الله عليه وسلم.
[7] ـ سنن الترمذي (3862) وهو حديث حسن غريب انفرد به راوٍ واحد.
[8] صحيح مسلم (2540) متاب فضائل الصحابة.
[9] عون المعبود 12/274
[10] نهج البلاغة/143
[11] نهج البلاغة/222
[12] مروج الذهب ومعادن الجواهر 3/64
[13] مسند أبي ميلى (38) طبعة دار المأمون للتراث ـ ت حسين أسد 1984
[14] صحيح البخاري (1010) باب ذكر العباس بن عبد المطلب.
[15] الطبقات الكبرى 4/23
[16] سنن أبي داود (5217) والترمذي (3039)
[17] أنساب الأشراف للبلاذري 1/381
[18] أنساب الأشراف للبلاذري 1/407
[19] أنساب الطالبين 1/36
[20] نسب قريش 1/24
[21] الشجرة المباركة للفخر الرازي
[22] عمدة الطالب في نسب آل أبي طالب لابن عنبة
[23] كشف الغمة للأربلي 2/347 طبعة دار الأضواء - بيروت
[24] تاريخ دمشق لابن عساكر/ترجمة زيد بن عمر.
[25] المعارف لابن قتيبة 232
رسالتي 25/10/2011
شبكة البصرة
الاحد 7 صفر 1433 / 1 كانون الثاني 2012
مواضيع مماثلة
» عمر بن الخطاب .. جندي وقائد عسكري ومُنظم لجيوش المسلمين
» الرسالة الشافية بإذن الله إلى إخواننا المسلمين في العراق وارض الكنانة
» الرسالة الشافية بإذن الله إلى إخواننا المسلمين في العراق وارض الكنانة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى